العمل بالقرآن
الوصف
العمل بالقرآن الكريم
حكم العمل بالقرآن الكريم
يجب على المسلم العمل بالقرآن، وبما نصّ عليه من الأوامر والتشريعات؛ يدلّ على ذلك قَوْله -تعالى-: (اتَّبِع ما أوحِيَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ لا إِلـهَ إِلّا هُوَ وَأَعرِض عَنِ المُشرِكينَ)، إذ إنّ الله -تعالى- أمر نبيّه -عليه الصلاة والسلام- باقتفاء أثر القرآن، والعمل به، والاتِّباع يقتضي توجيه القلب نحو المَتبوع، وتَرك الانشغال عنه بما لا ينبغي، ولذلك أمرَ الله نبيّه بالإعراض عن المُشركين؛ ليُحقّق بذلك الإخلاص في الاتِّباع؛ يدلّ على ذلك قَوْله -تعالى-: (اتَّبِعوا ما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبِعوا مِن دونِهِ أَولِياءَ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ)، وقد ذكر الإمام القرطبيّ في تفسير تلك الآية أنّ المقصود منها الأمر باتِّباع ما أنزله الله من الكتاب والسنّة؛ قال -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، ووجه الاستدلال من الآية أنّ الله -تعالى- أمر المسلمين بالامتثال لِما جاءت به نصوص الكتاب والسنّة من الأوامر والنواهي، مع الحرص على عدم العدول عنها إلى غيرها؛ لِئلّا يكون المسلم تاركاً لحُكم الله -تعالى-. ومن الأدلّة على وجوب العمل بكتاب الله: قَوْله -تعالى-: (وَاتَّبِع ما يوحى إِلَيكَ وَاصبِر حَتّى يَحكُمَ اللَّـهُ وَهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ)؛ إذ أمر الله نبيّه باتِّباع الوحي الذي أُنزل عليه، والصبر على معارضة الأعداء ومخالفتهم، إلى أن يحكم الله بين الناس، وقوله -تعالى- أيضاً: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)؛ وفي الآية دعوة جموع الأمّة إلى اتِّباع ما أمر الله به؛ وهو المقصود بالحسن كما ذكرَ السدي، وورد عن ابن زيد أنّ المقصود باتِّباع أحسن ما أنزله الله: أن ينقاد المسلم إلى مُحكَم آيات كتاب الله، ومِمّا سبق من الأدلّة القرآنيّة يتبيّن وجوب العمل بالقرآن الكريم؛ لأمر الله -تعالى- باتِّباع ما أنزله من الذِّكر الحكيم؛ سواء كان ذلك الأمر مُوجَّهاً إلى عباد الله المؤمنين، أو كان مُوجَّهاً إلى نبيّه -عليه الصلاة والسلام-؛ على اعتبار أنّ خطاب الله لنبيّه خطابٌ عامٌّ للمسلمين جميعهم إلّا إن ورد نص يدلّ على تخصيص النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك. كما ورد في السنّة النبويّة أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إن الدينَ النصيحةُ -إن الدينَ النصيحة- إن الدينَ النصيحةُ. قالوا: لمَن يا رسولَ اللهِ؟ قال: للهِ ولكتابِه ولرسولِه ولأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم)، وذكر الإمام النوويّ في تفسير الحديث السابق أنّ النصيحة لكتاب الله -تعالى- تكون بتعظيمه، وإعلاء شأنه؛ بدعوة الناس إلى التمسُّك به، واليقين بأنّه كتابٌ مُنزَّلٌ من ربّ العِزّة، وهو مُعجِزٌ تحدّى الله الإنس والجنّ أن يأتوا بشيءٍ من مِثله، كما تكون النصيحة لكتاب الله بالحِرص على تعلُّم آياته، والاعتبار بها، والنَّظَر في ما اشتملت عليه الآيات من الأحكام، والتشريعات، والعبر، وغيرها، والحِرص على تلاوته، والخشوع عند قراءته، والعمل بمُحكَم آياته،، والتصديق بالمُتشابه منه، ورَدّ شُبَه المُعارِضين له.
العمل بالقرآن الكريم بين الترغيب والترهيب
رغّب الله -تعالى- عباده المؤمنين في العمل بالقرآن الكريم؛ لأنّه سبيل تحقيق السعادة في الدُّنيا والآخرة؛ فالقرآن كتاب الله الذي يهدي إلى السبيل الأقوم؛ قال -تعالى-: (إِنَّ هـذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبيرًا )، وقد جعل الله اتِّباع آياته والعمل بها وسيلةً لتحقيق الهُدى الذي يُوصل بدوره إلى السعادة والسكينة، بعيداً عن التعاسة والشقاء؛ قال -تعالى-: (فَإِمّا يَأتِيَنَّكُم مِنّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشقى*وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى)، وتجدر الإشارة إلى أنّ الله -تعالى- فرَّقَ في الأوامر التي اشتمل عليها كتابه العزيز؛ فجعل الفرائض أعلاها، وأوجب اتِّباعها على وجه الكمال دون انتقاص شيءٍ منها، ورتّب على اتِّباع تلك الواجبات أعلى مراتب العمل والإحسان. كما كان الترغيب في العمل بكتاب الله -تعالى-؛ باعتباره من أجلّ حقوقه على العباد، بل عُدَّ العمل بالقرآن في قمّة هَرم الحقوق المُستوجبة على العباد، وقد أرشد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أمّته إلى ضرورة تدبُّر آيات كتاب الله، مع الحرص على العمل بها، والاسترشاد بهَديها، وتَرك القراءة العابرة دون وعي وإدراك؛ لِئلّا يكون حال المسلمين كحال مَن كان قبلهم من الأُمم؛ حينما كانوا يقرؤون كتاب الله دون أن تعيَه قلوبهم، أو تُدرك معانيه عقولهم، وإنّما كانت قراءتهم مُجرّد أمانٍ وظُنون لا ترقى إلى العلم أو الفَهم أو اليقين؛ قال -تعالى-: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)، وقد نعى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حال أقوامٍ في آخر الزمان؛ يقرؤون القرآن دون وَعيٍ أو إدراكٍ، وكأنّ آياته لا تتجاوز حناجرهم؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (يَخْرُجُ في هذِه الأُمَّةِ، ولَمْ يَقُلْ: مِنْها، قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مع صَلاتِهِمْ، فَيَقْرَؤُونَ القُرْآنَ، لا يُجاوِزُ حُلُوقَهُمْ، أوْ حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَيَنْظُرُ الرَّامِي إلى سَهْمِهِ إلى نَصْلِهِ إلى رِصافِهِ، فَيَتَمارَى في الفُوقَةِ، هلْ عَلِقَ بها مِنَ الدَّمِ شيءٌ). ويُشار إلى أنّ الشريعة الإسلاميّة بيّنت أنّ تَرك العمل بالقرآن مَظهرٌ من مظاهر هجرانه، وإن كان هَجْر القرآن على مراتب عدّةٍ؛ فقد يكون هجراً كاملاً؛ بتَرْك الإيمان به، والصدّ عنه، وهو الوارد في قَوْله -تعالى-: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)، وقد يكون الهَجْر بتَرْك تلاوته، وعدم تدبُّر آياته، أو تَرْك العمل به، وهذا قد يقع من المؤمن أحياناً؛ حينما يغفل عن الأخذ بما في كتاب الله من الأحكام، أو لا يمتثل لكلّ ما جاءت به نصوص الكتاب من الأوامر والنواهي، وفي ذلك قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (والذي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ، فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَنَامَ عنْه باللَّيْلِ ولَمْ يَعْمَلْ فيه بالنَّهَارِ، يُفْعَلُ به إلى يَومِ القِيَامَةِ)، وممّا يُعاقَب به المسلم بسبب تركه العمل بالقرآن الحرمانُ من شفاعته يوم القيامة؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (القرآنُ شافع مُشفَّعٌ، وماحِلٌ مصدَّقٌ، مَنْ جعلَهُ أمامَهُ قادَهُ إلى الجنةِ، ومَنْ جعلَهُ خلْفَهُ ساقَهُ إلى النارِ).
الغاية من القرآن الكريم والعمل به
أنزل الله -عزّ وجلّ- القرآن الكريم؛ لتحقيق غايةٍ ساميةٍ تتمثّل بوجوب العمل به؛ قال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، ويكون العمل باتِّباع ما ورد فيه من أوامر، والتزام ما قرَّره من أحكامٍ وتشريعاتٍ، والانتهاء عمّا نهى عنه، كما يكون العمل بالقرآن بالتصديق بما جاءت به الآيات من الأخبار، والأمور الغيبيّة، والعمل بالقرآن من شأنه أن يُحقّق للمسلم الهداية إلى الصراط المستقيم، بعيداً عن الزَّيغ أو الضلال؛ لينال المسلم بذلك ما يناله السعداء المفلحون من التمكين والعِزّة، والفوز بالجنّة في الآخرة التي أعدّها الله -تعالى- للمُتمسِّكين بكتابه، والمُعتصِمين بشريعته.